أزمة صندوق "آركيغوس" لمالكه بيل هوانغ كانت أسوأ مما يعرفه الجميع

بيل هوانغ مؤس "آركيغوس كابيتال"، والمدير المالي باتريك هاليغان - المصدر: بلومبرغ
بيل هوانغ مؤس "آركيغوس كابيتال"، والمدير المالي باتريك هاليغان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

"هل سنكون قادرين على دفع ثمن هذه الصفقات اليوم؟ لا أرى كيف يمكننا فعل ذلك".

كلمات النائب، التي تم تخليدها الآن في لائحة اتهام فيدرالية، قالت كل شيء: كان الذعر ينتشر داخل "آركيغوس كابيتال مانجمنت" (Archegos Capital Management) لمالكها بيل هوانغ.

ويُشار إلى أن هوانغ هو الملياردير الغامض وراء "آركيغوس"، والذي جمع أحد أكبر ثروات العالم بسرية افتراضية، إلا أن هذا الكنز المكون من مركز مذهل في الأسهم بقيمة 160 مليار دولار تكشّف على كل الأصعدة ودفعة واحدة.

حصل ذلك في 23 مارس 2021 –حيث لم يكن لدى وول ستريت أدنى فكرة عما كان على وشك الانهيار.

بعد عام من انهيار "آركيغوس" الذي أرسل موجات من الصدمة عبر التمويل العالمي، أُلقي القبض على هوانغ صباح الأربعاء؛ وللمرة الأولى، قدّم المدعون الفيدراليون رواية رسمية لما حدث بالفعل في مكتب الأسرة السري.

القصة الفوضوية التي وردت تفاصيلها في لائحة الاتهام المؤلفة من 59 صفحة تُوضّح صعوداً وهبوطاً سريعاً في الثروات على عكس أي شيء شهدته وول ستريت على الإطلاق.

وحتى النهاية، كان هوانغ - وهو مسيحي متدين عاش، على الرغم من ثروته، في محيط متواضع في إحدى ضواحي نيوجيرسي - يعتقد أنه بوسعه تطويع الأسواق العالمية بما يتوافق مع إرادته، بحسب قول المدعين، حيث يقول ممثلو الادعاء إن الغطرسة والجشع غذّيا مخططاً وقحاً لخداع البنوك الكبرى والتلاعب بالأسواق.

وفي حالة إدانته بجميع التهم، يواجه هوانغ عقوبة قصوى تصل إلى 380 عاماً في السجن.

كما دافع يوم الأربعاء كل من هوانغ والمدير المالي لشركة "آركيغوس"، باتريك هاليغان، بأنهما غير مذنبان في 11 تهمة جنائية، بما في ذلك التآمر بقصد الابتزاز، والتلاعب بالسوق، والاحتيال في الحوالات المالية، والاحتيال في الأوراق المالية.

وقد أُطلق سراح هوانغ ذي الشعر الرمادي، الذي كان يرتدي سترة باتاغونيا زرقاء، بكفالة قدرها 100 مليون دولار. ومن المقرر أن يمثلا أمام المحكمة في 19 مايو.

وفقاً للمدعين العامين، بدأ مخطط هوانغ في الانهيار بعد أن ارتفعت ثروته الشخصية من 1.5 مليار دولار إلى 35 مليار دولار في غضون عام. حيث أقنعت "آركيغوس" البنوك الكبرى بإقراض الشركة مبالغ طائلة للاستفادة من رهاناتها في سوق الأسهم – وكانت النتائج كارثية في النهاية.

السقوط

حلّ هذا المصير بعد أن بدأت شركة "فياكوم سي بي إس" (ViacomCBS)، وهي واحدة من أكبر ممتلكات هوانغ، في الانخفاض بعد بيع أسهم جديدة.

ومن المحتمل أن "آركيغوس" لم تتمكن من تلبية دعوات الهامش - مما تسبب في حالة من الذعر داخل الشركة وفي البنوك التي أقرضت هوانغ المليارات.

رد هوانغ: طلب من المتداولين لديه شراء السهم، ثم شراء المزيد. وفي النهاية، أضافت "آركيغوس"900 مليون دولار في اليوم.

واحتج سكوت بيكر، مدير إدارة المخاطر. في حين قدّم المتداول الرئيسي للشركة، وليام توميتا، نداءه الخاص إلى هوانغ، إلا أنه عاد خائباً: "لقد تحدثتُ إلى بيل وقال لي فقط استمر في تنفيذ الأوامر". (كلاهما أقرّا بالذنب ويتعاونان مع السلطات).

لم ينجح الأمر، واستعد فريق قيادة "آركيغوس" للدعوات الهامشية في اليوم التالي. لكن كان لدى هوانغ أفكار أخرى، وبدلاً من ذلك شجع المتداولين على استخدام آخر أموال الشركة للتلاعب ببعض الأسهم لدعم أسعارها.

وطوال الوقت، كان بيكر يسحب أكبر قدر ممكن من الأموال من بنوك وول ستريت، مدعياً كذباً أن مكتب العائلة يملك 9 مليارات دولار نقداً زائداً بينما لم يكن لديه شيء.

وتترك وثائق الاتهام والمؤتمر الصحفي والمثول أمام المحكمة العديد من الأسئلة دون إجابة، بما في ذلك السؤال الكبير: كيف بالضبط اعتقد هوانغ أن كل هذا سينتهي؟

حتى لو لم تكن "آركيغوس" شركة أخرى لإدارة رأس المال على المدى الطويل - كما كان يخشى البعض في الوقت الحالي - فقد تركت ندوبها في العالم المالي. حيث أثقلتْ هذه الحلقة البنوك العالمية بخسائر بمليارات الدولارات، وشجعت على إلقاء نظرة جديدة على متطلبات الإفصاح لشركات الاستثمار من أصحاب الثراء الفاحش، وألهمت تحقيقاً أمريكياً كاسحاً حول كيفية تعامل وول ستريت مع الصفقات الكبيرة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

غير معروف إلى حدٍّ كبير

الأمر الأكثر إثارة للإعجاب ولا سيما بالنظر إلى أن هوانغ لم يكن معروفاً إلى حدٍّ كبير قبل انهيار "آركيغوس" المذهل، حيث عرفته فقط مجموعة صغيرة من المديرين المنتسبين إلى أسطورة صناديق التحوط جوليان روبرتسون.

عمل هوانغ مع روبرتسون في شركته "تايغر مانجمنت" (Tiger Management) البالغة قيمتها 20 مليار دولار حتى تم إغلاقها؛ ثم أسس شركته الخاصة، "تايغر آسيا" (Tiger Asia)، وقد كان أحد أكثر موظفي روبرتسون السابقين نجاحاً– إلى أن اصطدم بالمنظمين.

في عام 2012، وبعد سنوات من التحقيقات، اتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية "تايغر آسيا" بالتداول من الداخل والتلاعب بأسهم البنوك الصينية. حيث قالت الوكالة إن هوانغ "عبر الجدار"، حيث تلقى معلومات سرية حول عروض الأسهم المعلقة من بنوك الاكتتاب، ثم استخدمها لجني أرباح غير مشروعة.

توصّل هوانغ إلى تسوية هذه القضية دون الاعتراف أو نفي ارتكاب أية مخالفات، وأقرّت شركة "تايغر آسيا" بأنها مذنبة أمام وزارة العدل بتهمة الاحتيال الإلكتروني.

وقد أجبرته الحادثة على ترك صناعة إدارة الأموال، إلا أنه قال إن ذلك عمل على تقوية إيمانه.

من ثم، أسّس "آركيغوس" - وهي كلمة يونانية غالباً ما تُترجم إلى "مؤلف" أو "قائد"، وغالباً ما تُعتبر إشارة إلى يسوع - لإدارة ثروته الشخصية.

وبينما كان هوانغ يتداول ثروته في "آركيغوس"، أقام قراءات للكتاب المقدس صباح أيام الجمعة في الساعة 7 صباحاً، حيث يجلس 20 أو 30 شخصاً معاً حول طاولة طويلة ويستمعون إلى تسجيلات الكتاب المقدس أثناء تناول القهوة والفطائر.

علاوةً على ذلك، أسّس هوانغ أيضاً مؤسسة "غريس آند ميرسي" (Grace and Mercy Foundation)، التي تضخمت أصولها إلى مئات الملايين من الدولارات ودعمت المنظمات المسيحية إلى حد كبير.

كما أسّس أيضاً الصناديق التي تديرها شركة "آرك إنفستمنت مانجمنت" (Ark Investment Management) لمالكتها كاثي وود.

وعلى غرار هوانغ، تُعرَف وود بعقد اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس والشخصيات الدينية فيما يشير إليه البعض باسم حركة "الإيمان في التمويل".

تغييرات كوفيد

مع ذلك، وكما تقول الحكومة الفيدرالية، فقد تغير شيء جوهري في عملية استثمار هوانغ مع انتشار جائحة كوفيد-19. حيث كانت مقتنياته ذات يوم في أسهم كبيرة وعالية السيولة؛ إلا أنه سرعان ما تحول إلى الشركات الأصغر، بما في ذلك حفنة من شهادات الإيداع الأمريكية الصينية.

ووفقاً لوثائق التهم، فقد "تجاهل بشكل متزايد أبحاث محللي "آركيغوس" الداخلية طوال عامي 2020 و2021"؛ وبعد أن عقد سابقاً اجتماعات استراتيجية أسبوعية، "أمضى هوانغ الكثير من وقت عمله بدلاً من ذلك مع المتداولين".

في بعض الحالات، كان هوانغ يُوجّه المتداولين لبيع سهم أو الدخول في مركز قصير في الصباح، مما يمنح مكتب العائلة قدرة تداول أكبر للشراء عندما يحتاج إلى تعزيز السعر.

ووفقاً للائحة الاتهام: "أشار هوانغ إلى هذه الممارسة على أنها استخدام (الرصاص)، ووجّه المتداولين لاستخدام (الرصاص)، أو القدرة على التداول، في اللحظات المناسبة التي من شأنها أن تخلق ضغطاً صعودياً على سعر السهم. كما استخدم هوانغ هذه الاستراتيجية بوتيرة متزايدة حيث بدأت الأطراف المقابلة في تقليص أو تقييد وصوله إلى سعة تداول إضافية".

عندما أصبحت رهاناته أكبر وأكبر، وسّع هوانغ قائمة "آركيغوس" من البنوك التي وفرت له الرافعة المالية - دون علم الآخرين بذلك.

وبحلول أوائل عام 2021، وقبل انهيارها مباشرة، امتلكت "آركيغوس" مركزاً يزيد على 50% في "جي إس إكس تيكيدو" (GSX Techedu) و"فياكوم" (Viacom).

كما نسق هوانغ الصفقات مع شخص يُعرف باسم "أدفايزر-1"، والذي ذكرت وكالة بلومبرغ نيوز أنه كان تاو لي، رئيس "تينغ يو بارتنرز" (Teng Yue Partners)، وهو صندوق تحوط في نيويورك أشرف على 4 مليارات دولار اعتباراً من العام الماضي، كما راهن لي أيضاً بشدة على "جي إس إكس".

لم يُتهم لي و"تينغ يو" بارتكاب مخالفات من قبل السلطات الأمريكية، ولم يرد "تينغ يو" على الرسائل التي تطلب التعليق.

في النهاية، اجتاحت الخسائر من "آركيغوس" جميع أنحاء العالم حيث اضطرت البنوك إلى طرح كتل كبيرة من الأسهم في السوق.

وفي اليابان، تلقّتْ شركة "نومورا هولدينغز" (Nomura Holdings) خسائر بقيمة 2.9 مليار دولار. وتعرضت مجموعة "كريدي سويس" (Credit Suisse Group) لضربة بلغت 5.5 مليار دولار. أما في نيويورك، كشف "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) عن خسارة 911 مليون دولار.

يُشار إلى أنه وفق رواية الحكومة عن حادثة "آركيغوس"، كانت البنوك ضحية لعملية الاحتيال التي قام بها. ولكن من بين العناصر الأكثر ديمومة لانهيارها هي الطريقة التي ألهمت بها المنظمين الفيدراليين للبحث في الطريقة التي اتبعها وول ستريت في تفكيك محفظة هوانغ الضخمة.

قادهم ذلك بدوره إلى البدء في النظر في الطريقة التي تعامل بها بنك "مورغان ستانلي" وربما البنوك الأخرى مع الصفقات المجمعة.

في هذا الصدد، يجمع مكتب المدعي العام الأمريكي للمنطقة الجنوبية لنيويورك، الذي يقاضي هوانغ، الأدلة الآن حول ما إذا كانت البنوك متورطة في نشاط غير قانوني أم لا، لا سيما ما إذا كان بعض المشاركين في السوق يتلقون إخطارات مسبقة حول الطرح الوشيك لصفقة كبيرة في السوق.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك