مع نهاية العام الذي شهد هدوءاً في معدلات التضخم بدرجة كافية ساعدت معظم الاقتصادات المتقدمة على بدء تخفيف سياساتها النقدية، تستعد البنوك المركزية لاختتام العام باتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة أبرزها قرار الاحتياطي الفيدرالي.
يحتل القرار الأميركي صدارة الاهتمام يوم الأربعاء، يليه قرارات نظرائه في اليابان ودول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة في اليوم التالي، وهي الدول التي تمثل عملاتها نصف العملات العشر الأكثر تداولاً حول العالم.
ستجذب هذه الأحداث اهتماماً كبيراً بين المستثمرين الذين يستعدون لأسبوع السياسة النقدية الأخير في عام 2024. وبحلول نهاية يوم الجمعة، سيحدد 22 بنكاً مركزياً، تستحوذ على ما لا يقل عن 40% من الاقتصاد العالمي، تكاليف الاقتراض.
يُحتمل أن تؤكد قرارات الأسبوع على نحو متزايد بأن زخم تخفيف السياسة النقدية غير متساوٍ، حيث يزن صانعو السياسة مخاطر مختلفة قد يشهدها العام المقبل.
وفي حين أن "الاحتياطي الفيدرالي" نفسه على وشك خفض الفائدة بربع نقطة مئوية، فإن حلول عام 2025 والاحتمالات التضخمية من فرض التعرفة الجمركية التي تهدد إدارة الرئيس القادم دونالد ترمب بفرضها، قد تدفع المسؤولين إلى التوقف عن المضي في مسيرة التخفيف خلال الفترة القادمة.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
وعد ترمب بموجة من الإجراءات التي ستؤثر على التضخم والنشاط الاقتصادي، وهو ما يعقّد وظيفة صناع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي. ونظراً لأن تأثير السياسة النقدية يظهر متأخراً، فإن مسؤولي الفيدرالي يقررون سياستهم في كل اجتماع بناءً على أفضل فهم لهم للظروف الاقتصادية التي ستسود خلال عام أو عامين. عند تحديد معدل الفائدة الفيدرالية في الاجتماعات القليلة المقبلة، سيقوم صناع السياسة بتقييم الاحتمالات التي سيتم بها تنفيذ مقترحات ترمب المختلفة، وتحقيق التوازن مع مخاطره.. دافيد ويلكوكس ، مدير الأبحاث الاقتصادية الأميركية
سيكون بنك إنجلترا أكثر حذراً فيما يخص خفض أسعار الفائدة، حيث يُتوقع على نطاق واسع أن يبقيها دون تغيير يوم الخميس، ليس فقط للصدمة التي يمكن أن تسببها سياساته التجارية على نمو الاقتصاد، ولكن أيضاً لضغوط الأسعار المستمرة.
وفي الوقت نفسه، يُحتمل أن ينتظر بنك اليابان حتى عام 2025 لمواصلة رفع الفائدة، والتي بدأها أخيراً بالخروج من الفائدة السلبية هذا العام.
سوف تسلط القرارات الصادرة في دول الشمال الأوروبي الضوء على التفاوت حتى عبر تلك المنطقة الأصغر. حيث من المؤكد أن يقوم البنك المركزي السويدي بخفض الفائدة للمرة الخامسة، بينما يُرجح أن يؤكد نظيره في النرويج على أن أول خفض للفائدة لن يحدث قبل العام الجديد.
في أماكن أخرى من العالم، قد تكون البيانات الرئيسية التي تعطي صورة عن صحة الاقتصاد الصيني، وبيانات التضخم في المملكة المتحدة التي قد تشهد ارتفاعاً، والمسوحات التجارية لمنطقة اليورو من بين أبرز البيانات المنتظر صدورها هذا الأسبوع.
الولايات المتحدة وكندا
رغم أن مؤشر التضخم الأساسي المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي سيصدر نهاية الأسبوع، بعد قرار أسعار الفائدة يوم الأربعاء، إلا أن المسؤولين على الأرجح يطمئنون إلى التوقعات التي تفيد بأن ضغوط الأسعار تهدأ.
توقعات خبراء الاقتصاد تشير إلى ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، باستثناء الغذاء والطاقة، بنسبة 0.2% في نوفمبر، وهو أقل تقدم في ثلاثة أشهر. كما يتوقع أيضاً أن يظهر التقرير المقرر صدوره يوم الجمعة نمواً قوياً في الإنفاق الاستهلاكي والدخل، ما يشير إلى مرونة الاقتصاد.
ويُرجح أن توضح أرقام مبيعات التجزئة يوم الثلاثاء قوة مماثلة. وتشمل التقارير الأخرى المنتظر صدورها الأسبوع المقبل؛ الإنتاج الصناعي، وبناء المساكن الجديدة، ومبيعات المساكن القائمة لشهر نوفمبر.
في كندا، ستصدر وزيرة المالية كريستيا فريلاند تحديثاً للميزانية طال انتظاره، وسط تكهنات واسعة النطاق بأنها لم تتمكن من تحقيق وعدها بالحفاظ على العجز عند أو أقل من 40 مليار دولار كندي.
قد تحتوي الوثيقة على إنفاق جديد على أمن الحدود للحماية من تهديدات ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية، بالإضافة إلى إجراءات تساعد المواطنين على تحمل التكاليف بهدف استعادة الناخبين قبل انتخابات العام المقبل.
في خطاب نهاية العام، سيتحدث محافظ بنك كندا تيف ماكليم عن وتيرة غير اعتيادية لخفض أسعار الفائدة والحرب التجارية محتملة.
ويُتوقع أن ينخفض التضخم الرئيسي لشهر نوفمبر مجدداً إلى ما دون هدف 2% بعد أن ارتفع لفترة وجيزة إلى تلك العتبة في أكتوبر. وستصدر هيئة الإحصاء الكندية أيضاً تقديرات عدد السكان للربع الثالث.
آسيا
سينطلق الأسبوع بسلسلة من البيانات من الصين والتي سيتم مراقبتها عن كثب بحثاً عن علامات تشير إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم بدأ ينهض بفضل جهود التحفيز الحكومية. وستكون أرقام الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة من البيانات الأساسية التي ستراقبها الأسواق.
من المقرر أيضاً صدور أرقام مؤشر مديري المشتريات في كل من أستراليا والهند واليابان يوم الإثنين، لمنح مؤشر آخر على النمو الاقتصادي في المنطقة الأوسع.
ينتظر المستثمرون قرار بنك اليابان يوم الخميس، ويتوقع خبراء الاقتصاد والأسواق الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، حيث دفعت الرسائل المتباينة من المسؤولين إلى الاعتقاد بأن التحرك سيحدث في مرحلة لاحقة.
وفي مكان آخر من القارة الآسيوية، يُتوقع أن تبدأ باكستان الأسبوع بخفض أسعار الفائدة بعد تراجع التضخم، ويُتوقع أن يبقي بنك تايلندا يوم الأربعاء أسعار الفائدة دون تغيير عند 2.25%. كما يُتوقع أن تخفض كل من إندونيسيا والفلبين تكاليف الاقتراض بمقدار 25 نقطة أساس.
وفي الوقت نفسه، تعهد البنك المركزي في كوريا الجنوبية باستقرار الأسواق المالية، وسلط الضوء على أهمية التنفيذ المتواصل" للتدابير المالية والاقتصادية الرئيسية، وذلك في أول بيان له بعد تصويت المشرعين على عزل الرئيس يون سوك يول.
وفي نيوزيلندا، من المقرر أن تصدر يوم الخميس بيانات تظهر عودة اقتصاد البلاد إلى الركود بعد انكماشه في الربع الثالث. كذلك، سيشهد هذا الأسبوع صدور أرقام التجارة في إندونيسيا واليابان وماليزيا ونيوزيلندا، والتي ستكشف حالة شهية النشاط التجاري في آسيا.
أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا
من المؤكد على نحو كبير أن يبقي بنك إنجلترا على أسعار الفائدة دون تغيير في آخر قراراته الخاصة بالسياسة النقدية لهذا العام، متمسكاً بنهجه الحذر في خفض أسعار الفائدة. وستزود البيانات المتعلقة بالوظائف والتضخم المقرر صدورها قبل ذلك المسؤولين بمزيد من المعلومات التي ستضيف إلى تقرير الأسبوع الماضي الذي أظهر انكماشاً للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر.
ويُتوقع أن يظهر تقرير العمل ارتفاعاً في نمو الأجور السنوية، وهو ما لا ينبغي أن يثير قلق صناع السياسات بشكل مفرط، في حين قد تكشف أرقام التضخم عن تسارع في كل من المؤشرات الرئيسية والأساسية، مما يزيد من احتمالات توخي الحذر.
وفيما يلي نظرة سريعة على القرارات الأخرى المرتقبة في المنطقة:
- يُرجح أن تبقي المجر يوم الثلاثاء على تكاليف الاقتراض دون تغيير بعد تسارع التضخم وبقاء الفورنت بالقرب من أدنى مستوى له في عامين.
- بعدها بيومين، يُتوقع أيضاً أن يبقي البنك المركزي التشيكي على سعر الفائدة دون تغيير، حيث يدرس صناع السياسات وقف التيسير النقدي.
- يتوقع معظم خبراء الاقتصاد أن يخفض المسؤولون السويديون معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة، بوتيرة أكثر تدرجاً بعد خفضه بمقدار نصف نقطة الشهر الماضي. ومن غير المرجح أن يردع التضخم الأساسي الذي يسجل أعلى مستوى له في ستة أشهر البنك المركزي السويدي، حيث قد يستمد شجاعته من البيانات الأخيرة التي تظهر عودة النمو في الربع الثالث.
- في النرويج المجاورة، يُتوقع أن يبقي صناع السياسات سعر الفائدة عند 4.5%. وقد كسر التضخم الأساسي الشهر الماضي سلسلة من التباطؤ استمرت لمدة عام، مدفوعاً بشكل أساسي بالسلع المحلية، كما أظهر مسح رئيسي أجراه البنك المركزي توقعات أقوى إلى حد ما لأداء الشركات في الدولة الغنية بالطاقة.
- في يوم الجمعة، قد يرفع بنك روسيا أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس إلى مستوى قياسي يبلغ 23%، بعد أن أظهرت البيانات أن ضغوط الأسعار استمرت عند أكثر من ضعف المعدل المستهدف البالغ 4%.
وفي منطقة اليورو، قد توجه مؤشرات المسح أنظار المستثمرين إلى مدى تأثير تداعيات الاضطرابات السياسية في فرنسا وألمانيا على الشركات.
من المقرر صدور أحدث مؤشرات مديري المشتريات في المنطقة يوم الإثنين، يليها في اليوم التالي مؤشر معهد "إيفو"، الذي يتخذ من ميونخ مقراً له، لتوقعات الشركات، ومؤشر (ZEW) لثقة المستثمرين، وكلاهما مختصان بالاقتصاد الألماني. كما يُنتظر صدور مؤشر ثقة الشركات الفرنسية يوم الخميس.
يُرتقب أن يتحدث العديد من صناع السياسات بعد أن خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع الماضي، بما في ذلك رئيسة البنك كريستين لاغارد، ونائب الرئيس لويس دي غيندوس، وعضو مجلس الإدارة إيزابيل شنابل، وكبير الاقتصاديين فيليب لين.
قال عضو مجلس الإدارة مارتينز كازاكس لـ"بلومبرغ" في مقابلة نُشرت يوم الأحد إن البنك المركزي الأوروبي ينبغي أن يستمر في خفض أسعار الفائدة، لكنه قد لا يكون بحاجة للوصول إلى مستويات من شأنها تحفيز التوسع الاقتصادي.
وبالانتقال إلى الجنوب، يُرجح أن تظهر البيانات الصادرة من إسرائيل يوم الأحد تسارع التضخم إلى 3.6% في نوفمبر من 3.5٪ قبل شهر، مع استمرار تأثر الاقتصاد بالحرب على غزة وارتفاع الإنفاق الحكومي. ويُرجح أن يؤدي هذا الوضع إلى إبقاء البنك المركزي لأسعار الفائدة دون تغيير حتى النصف الثاني من عام 2025.
وفي نيجيريا، قد تكشف البيانات الصادرة يوم الإثنين عن تسارع التضخم إلى 34.6% في نوفمبر من 33.9% في الشهر السابق، مدفوعاً بارتفاع أسعار البنزين والفيضانات التي ضربت البلاد في وقت سابق من هذا العام أدت لتدمير المحاصيل. قال محافظ البنك المركزي النيجيري، أولايمي كاردوسو، في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتوقع اتجاهاً هبوطياً للتضخم العام المقبل.
وبعد يومين، من المقرر أن يلقي الرئيس النيجيري، بولا تينوبو، خطابه السنوي عن الميزانية. وضعت البلاد خططاً طموحة لزيادة الإيرادات العام المقبل، بما في ذلك رفع معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 10 من 7.5%، وخفض عجز الميزانية بشكل كبير. تقول وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إنه في حال حققت نيجيريا ذلك، فقد يضعها ذلك على خطى ترقية تصنيفها الائتماني.
أميركا اللاتينية
ارتفاع التضخم والتوقعات غير المستقرة تجعل مراقبي البرازيل حريصين على متابعة أعمق لمحاضر اجتماع البنك المركزي لتقرير أسعار الفائد يومي 10 و11 ديسمبر، وتقرير التضخم للربع الأخير من عام 2024.
يرى خبراء الاقتصاد أن سعر الفائدة الرئيسي سيصل إلى 13.5% بحلول هذا الوقت من العام المقبل من 12.25% حالياً، في حين تتوقع الأسواق سعر فائدة أعلى بأكثر من 200 نقطة أساس نهاية عام 2025.
ستصدر الأرجنتين رصيد ميزانيتها لشهر نوفمبر إلى جانب بيانات الناتج للربع الثالث، والتي قد تظهر قفزة حادة مع دخول إدارة الرئيس خافيير ميلي عامها الثاني.
وفي تشيلي، حصل البنك المركزي على ما يكفي من الضوء من تقرير أسعار المستهلك لشهر نوفمبر، ليحافظ على خفض الفائدة بربع نقطة مئوية إلى 5% متوافقاً مع إجماع الآراء، حتى مع وجود مخاطر تهدد ضعف البيزو.
يشهد ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية تباطؤاً، كما هو الحال مع التضخم الرئيسي، في حين انخفض المؤشر الأساسي للشهر الـ22 على التوالي. وهو ما يجعل قيام بنك المكسيك بخفض الفائدة يوم الخميس بربع نقطة مئوية للمرة الرابعة على التوالي إلى 10% أمراً مؤكداً إلى حد كبير.
ويتوقع جميع المحللين الـ34 الذين استطلع "سيتي" آراءهم قيام البنك المركزي المكسيكي بخفض الفائدة، ويتوقع ثلاثة منهم خفضاً بمقدار نصف نقطة مئوية.
وفي كولومبيا، من المفترض أن تؤكد ستة تقارير اقتصادية منفصلة، بما في ذلك أرقام الناتج المحلي الإجمالي لشهر أكتوبر وبيانات مبيعات التجزئة لشهر أكتوبر، على فقدان الاقتصاد للزخم بعد نتائج الربع الثالث الأضعف من المتوقع.
وفي ظل تباطؤ الاقتصاد بالتزامن مع استمرار انخفاض معدلات التضخم، يتوقع المحللون أن يخفض البنك المركزي الكولومبي أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي إلى 9.25%.