تحقق الولايات المتحدة وبريطانيا في عمليات تحويل عملات مشفرة بقيمة تجاوزت 20 مليار دولار مرت عبر بورصة للعملات الافتراضية تقع في روسيا، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، وذلك كجزء من جهود التحالف لوقف الالتفاف على العقوبات التي تهدف إلى توفير التمويل لدعم بوتين في حربه ضد أوكرانيا.
وقال الأشخاص، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم كون الأمر لم يتم الإعلان عنه بعد، إن المدفوعات الخاضعة للتدقيق مرت عبر بورصة العملات المشفرة "غارانتيكس" (Garantex)، ومقرها موسكو، باستخدام العملة المشفرة المربوطة بالدولار "تيذر" (Tether). وقالوا إن تلك التحويلات تمت منذ فرض واشنطن ولندن عقوبات على شركة "غارانتيكس" لاشتباههما في قيامها بتسهيل ارتكاب جرائم مالية ومعاملات غير مشروعة في روسيا.
تُظهر تلك الحادثة مدى معاناة الغرب المستمرة في محاولاتهم لوقف تدفق الأموال إلى روسيا بشكل كامل، رغم قيامهم بفرض نظام عقوبات أكثر شمولاً مما اعتقد العديد من المراقبين إمكانية فرضه قبل اجتياح قوات بوتين لأوكرانيا في فبراير 2022. تمكنت روسيا من تفادي الانهيار الاقتصادي الكبير عبر بناء شبكة واسعة من الحلول البديلة وأساليب الالتفاف، بما في ذلك عمليات الشحن البحري لنفطها، وتبادل التكنولوجيا عبر دول ثالثة، ومعاملات العملات الرقمية.
تحاول إدارة بايدن التضييق على بورصات العملات المشفرة، مثل "غارانتيكس"، منذ الأيام الأولى للحرب. وقالت المصادر إن المعاملات البالغ قيمتها 20 مليار دولار تمثل واحدة من أكبر عمليات انتهاك العقوبات المفروضة على روسيا.
أوضحت المصادر أن التحقيقات لا تزال مستمرة، وأنه من السابق لأوانه توقع نتائجها نظراً للتعقيد والغموض الذي يحيط بعمليات العملات المشفرة. وأضافت أنه لا يوجد حالياً ما يشير إلى ارتكاب شركة "تيذر هولدينغز" أي مخالفات، وهي شركة تم تأسيسها في جزر فيرجن البريطانية، وهو إقليم تابع للمملكة المتحدة يقع في الخارج.
"تيذر" الأكثر تداولاً
"تيذر" هي عملة مستقرة تهدف إلى ربط قيمتها بالدولار، كما تُعد العملة المشفرة الأكثر تداولاً على مستوى العالم، وتبلغ قيمة عملاتها المتداولة أكثر من 100 مليار دولار. وقالت شركة "تيذر هولدينغز" رداً على أسئلة ضمن التحقيق الأميركي البريطاني إنها جمدت جميع أصول الكيانات المدرجة في قائمة العقوبات الأميركية.
وأضافت الشركة في بيانها: "في حالة (تيذر)، فكافة المعاملات تتم عبر الإنترنت، ويمكن تتبع كل المعاملات، كما يمكن مصادرة الأصول، والقبض على المجرمين". وتابعت بالقول "نحن نتعاون مع سلطات إنفاذ القانون لتحقيق ذلك".
ولم تستجب شركة "غارانتيكس" لطلبات التعليق، كما رفضت كل من وزارتي الخزانة في الولايات المتحدة وبريطانيا والوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة الرد على طلبات التعليق.
كانت "غارانتيكس" قالت في وقت سابق من هذا الشهر إنها تسعى لمنع استخدام بورصتها في أنشطة غير مشروعة، كما أنها تعاونت بشكل فعال مع السلطات الأوروبية والأميركية قبل أن تقوم الأخيرة بفرض عقوبات عليها. مضيفةَ أنها لا تزال تتعاون مع وكالات إنفاذ القانون الدولية الأخرى وتحاول النأي بنفسها عن تسهيل الأنشطة الإجرامية.
بورصة "غارانتيكس"
تأسست بورصة "غارانتيكس" في عام 2019 في إستونيا، رغم ذلك، تقول الحكومة الأميركية إن معظم عملياتها تتم في الوقت الحالي في برج الاتحاد بالعاصمة الروسية موسكو. وسحبت إستونيا تراخيص عملها في فبراير 2022 كجزء من تعاون منسق مع الولايات المتحدة.
اتهمت وزارة الخزانة الأميركية "غارانتيكس" بالسماح "بإساءة استخدام أنظمتها من قبل جهات غير مشروعة"، بما في ذلك تجاهل قواعدها المرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد أعلنت عن فرض عقوبات ضد البورصة في أبريل 2022. كما ربطت الولايات المتحدة بين البورصة ومعاملات مالية مرتبطة بأنشطة غير مشروعة بأكثر من 100 مليون دولار، بما في ذلك جرائم الفدية المرتبطة بمجموعة القرصنة الروسية "كونتي".
ذكرت "غارانتيكس" على موقعها على الإنترنت إنها تسمح بالسحب عبر بطاقات بنوك "سبيربانك أوف رشان" (Sberbank of Russian) و"تينكوف بانك" (Tinkoff Bank) و"ألفا بنك" (Alfa-Bank)، وهي بنوك روسية فرضت الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لها عقوبات عليها. تُظهر الصورة التي اطلعت عليها بلومبرغ أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في "غارانتيكس" وهو يتحدث في إحدى الندوات التي جرت مؤخراً في روسيا، أثناء شرحه كيفية استخدام العملات المشفرة للوصول إلى الدولار من خلال شبكة من الوسطاء.
وفي إشارة إلى استمرار استهداف الولايات المتحدة لبورصة العملات المشفرة "غارانتيكس"، أضافت وزارة الخزانة بورصة العملات الافتراضية "بيتبابا" (Bitpapa) إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات يوم الإثنين، بدعوى ارتباطها بـ"غارانتيكس".
أنشطة مشبوهة
وفي حين أن "تيذر" تساعد المستثمرين على التنقل بين الرموز الافتراضية والبورصات وحماية الأصول الرقمية من تقلبات الأسعار، فإن غموضها وسرعتها واستقرار أسعارها جعلتها أيضاً ذات شعبية كبيرة بين المجرمين. فبمجرد الحصول عليها من بورصات العملات المشفرة ونقلها إلى محافظ مجهولة، يمكن إرسالها إلى أي مكان على الفور، دون أن تتمكن "تيذر هولينغز" من معرفة هويات المرسلين أو المستقبلين.
تُعتبر "إيثر" العملة الأكثر استخداماً في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، التي يطلق عليها "ذبح الخنازير"، والتي تديرها مجمعات عملاقة في جنوب شرق آسيا، وقد تمكنت تلك المجموعات من الاحتيال بمليارات الدولارات على ضحايا في الولايات المتحدة والصين ومناطق مختلفة من العالم. ووفقاً لدراسة أجرتها "تي آر إم لابس" فإن "تيذر" كانت العملة الأكثر استخداماً بين العملات المشفرة في الأنشطة الإجرامية خلال العام الماضي، حيث ربطتها بمعاملات غير مشروعة بقيمة 19.3 مليار دولار في 2023، وبنحو 24.7 مليار دولار في العام السابق.
وبدورها، نفت "تيذر هولدينغز" قيامها بتسهيل الجريمة عن عمد، وقالت إنها تتعاون مع سلطات إنفاذ القانون. وكانت الشركة قد ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أنها جمدت عملات "تيذر" بقيمة 1.4 مليون دولار مرتبطة بشبكة احتيال للدعم الفني، في خطوة تعكس تعاونها مع وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.