أصبح مستقبل صناعة الطاقة الشمسية المزدهرة في جنوب شرق آسيا، والتي تنتج أكبر عدد من الألواح في العالم بعد الصين، موضع شك مع استعداد الولايات المتحدة على ما يبدو لفرض رسوم جمركية باهظة على المنطقة.
وتواجه الشركات الصينية التي أنشأت مصانع هناك على مدار العقد الماضي اتهامات بتجنب الرسوم الجمركية الأميركية على واردات سوقها المحلية. وقد قلصت ثلاث شركات على الأقل (بما في ذلك "لونجي غرين إنرجي تكنولوجي" و"ترينا سولار")عملياتها في تايلندا وفيتنام وماليزيا، والتي تستهدفها واشنطن إلى جانب كمبوديا.
تفيد "بلومبرغ إن إي إف" بأن الدول الأربع تمثل أكثر من 40% من قدرة إنتاج وحدات الطاقة الشمسية خارج الصين، والشركات الصينية الأخرى التي لديها مصانع هناك تبحث عن أسواق لتحل محل الولايات المتحدة.
الاستعداد للرحيل
قالت يانا هريشكو، رئيسة أبحاث سلسلة توريد الطاقة الشمسية العالمية في "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie): "إن مزاج الموردين هو تعبئة خطوط الإنتاج، وخاصة خطوط الخلايا، ونقلها إما إلى إندونيسيا أو لاوس أو الشرق الأوسط". وأضافت أن بعض الشركات المصنعة الصينية تنتظر لمعرفة مستوى الرسوم الجمركية قبل أن تقرر ما إذا كانت بحاجة إلى المغادرة.
ويؤكد عدم اليقين على الاضطرابات الأوسع في سلاسل توريد الطاقة النظيفة حيث تسعى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها إلى استعادة بعض حصة السوق من الصين، التي تهيمن على إنتاج معدات الطاقة الشمسية وكذلك بطاريات السيارات الكهربائية. كما تعاني شركات الطاقة الشمسية الصينية في ظل فائض محلي متزايد شهد بالفعل إفلاس عدد من الكيانات الأصغر حجماً.
وخلص تحقيق أميركي في أغسطس الماضي إلى أن بعض الشركات الصينية (التي بدأت في الاستثمار في جنوب شرق آسيا بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركيةً على الألواح المستوردة مباشرة من الصين في 2012) كانت تتجاوز هذه الرسوم بشكل غير قانوني. أدى الحكم إلى فرض ضرائب استيراد بمستويات متفاوتة على خمس شركات في المنطقة.
مطالبات برسوم مرتفعة
تطلب بعض الشركات الأميركية الآن من واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية تصل إلى 272% على جميع منتجات الطاقة الشمسية من الدول الأربع، على الرغم من أن "بلومبرغ إن إي إف" قالت في مايو أنها من المرجح أن تكون بين 30% و50%. ويقارن ذلك برسوم 25% على الصين، والتي يخطط البيت الأبيض لمضاعفتها.
اقتربت واشنطن من فرض الرسوم الجمركية في يونيو، حين أقرت لجنة التجارة الدولية الأميركية تصويتاً أولياً يحدد أن الشركات المصنعة تتضرر من الواردات الرخيصة من جنوب شرق آسيا. وارتفعت واردات الألواح الشمسية الأميركية من جنوب شرق آسيا 36% إلى مستوى قياسي في الربع الماضي مع تسابق المشترين لتأمين المعروض قبل انتهاء الإعفاءات الجمركية.
ومنذ ذلك الحين، أفادت المنشورات الصينية والماليزية بأن "لونجي" أوقفت خمسة خطوط إنتاج في فيتنام وبدأت في تقليص عملياتها في ماليزيا، وتخطط "ترينا" لإغلاق بعض الخطوط في المنطقة، وأغلقت شركة جينكو سولار مصنعاً في ماليزيا.
وقال متحدث باسم "لونجي" في يونيو إنها أجرت تعديلات على خطط الإنتاج في العديد من المصانع، لأسباب منها تغييرات السياسة التجارية. وقالت الشركة في ملف لاحق للبورصة إن مصنعها في ماليزيا لا يزال يشحن الخلايا إلى الولايات المتحدة، وليس لديها خطة لنقل مصانعها حيث إن الطلب من أسواق أخرى بما في ذلك الهند وكندا سيكون كافياً لدعم مصانع جنوب شرق آسيا.
وقالت "ترينا" في بيان إن مصنعها للخلايا في تايلندا لا يزال يعمل بشكل طبيعي، وستقرر ما ستفعله بمصانعها في جنوب شرق آسيا اعتماداً على نتائج الجولة الأخيرة من التحقيق الأميركي. ولم تستجب "جينكو" (Jinko) لطلب التعليق، بينما قالت "جيه إيه سولار" (JA Solar Co) إن مصنعها في فيتنام يعمل بشكل طبيعي.
أسواق بديلة
لن تغلق جميع المصانع الصينية في جنوب شرق آسيا، حيث يمكن شحن المنتجات من هناك إلى الهند وأوروبا وأماكن أخرى، وفق دينيس إيب، المحلل في "دايوا كابيتال ماركتس" (Daiwa Capital Markets). وقال إن بعض المرافق القديمة قد تُغلق، لكن المصانع الأحدث يجب أن تكون قادرة على البقاء إذا تمكنت من العثور على أسواق بديلة.
يأتي النهج الأميركي الأكثر صرامة في الوقت الذي يتخذ فيه الحزبان السياسيان الرئيسيان هناك موقفاً أشد تجاه بكين في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر. وبالإضافة إلى تعريض هذا النهج إنتاج جنوب شرق آسيا للخطر، فقد يهدد جهود واشنطن لإزالة الكربون، نظراً لأن أكثر من ثلاثة أرباع وارداتها من المنتجات الشمسية جاءت من المنطقة العام الماضي.
وفي حين أن الرسوم الجمركية من المرجح أن تُفرض في أوائل العام المقبل، فقد يكون ذلك أقرب إذا كانت هناك ميزة انتخابية للديمقراطيين للقيام بذلك، كما قالت ديبورا إلمز، رئيسة السياسة التجارية في "هينريش فاونديشن" (Hinrich Foundation)، وهي منظمة غير ربحية مقرها آسيا تعمل على تعزيز التجارة العالمية المستدامة. وأضافت أن تصنيع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة لا يسير بالسرعة المأمولة، مما يعني أنه قد يكون هناك قدر أقل من التدقيق.
وقالت إلمز إن الجهود الرامية إلى الحد من التحايل الملحوظ على القيود الأميركية المفروضة على الواردات الصينية من المرجح أن تستمر، ويصح هذا بالأخص إذا انتُخب دونالد ترمب. وأضافت أنه "يركز بشكل كبير" على البلدان التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها، ومنها العديد من دول جنوب شرق آسيا.